
الوثائقي
وجد "الحزام الأمني" رسمياً سنة 1985، حيث قام العدو الاسرائيلي باحتلال عمق 40 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية، وتضم 171 قرية ، أي إحتلال 12% من مساحة الجمهورية اللبنانية، ابتداءً من رأس الناقورة جنوب لبنان حتى قضاء جزين. سلّم العدو الإسرئيلي هذه المنطقة لجيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد تحت إدارة مدنية خانقة, وذلك مع وجود دائم لقوات العدو الإسرائيلي.
كانت هذه المناطق تعاني من العزلة القاتلة عن باقي مناطق البلد، والشعور بالحشر ضمن آفاق ضيقة خانقة. فحدود الحزام الأمني تم رسمها بالأسلاك الشائكة منتشرة على جوانب بوابات العبور الأربع. وكذلك نقاط المراقبة، التي تلحظ كل التحركات، تنتشر على الحدود. وقد نُشرت حقول الألغام في المناطق التي تصعب السيطرة عليها والتصاريح لغير المقيمين بالعبور إلى داخل المنطقة تُعطى عند نقاط العبور، وهي نقاط يحرسها جنود جيش لبنان الجنوبي. ولا تُعطى هذه التصاريح إلا لقلائل. فالذين لهم أقارب ما زالوا يعيشون في المنطقة يُسمح لهم في العادة بالدخول، على الرغم من خطر التوقيف القائم دوماً، وصولاً في عدد لا يستهان به من الحالات إلى الاعتقال في سجن الخيام.

تروي لنا عائلة منذد مسار حياتها مع الإحتال من ما قبل التحرير وصولا إلى حرب 2023-2024 التي أعادة لهم ذكرى معانتهم القديمة مع الإحتلال كونهم من سكان بلدة مركبا الموجودة داخل الشريط الحدودي على الحدود ما الكيان المحتل.
بتاريخ 7 أكتوبر 2024 انطلقت حركة مقاومة في قطاع غزة جنوب فلسطين المحتلة عملية طوفان الأقصى ضد العدو الإسرائيلي داخل المستوطنات. واستغل العدو الإسرائيلي هذا الواقع، وبحجة رد الفعل أعلن الجيش الإسرائيلي الحرب على غزة بحجة معاقبة المقاومة وإعادة المختطفين، لكن الواقع عكس ذلك، فالواقع يحكي إبادة جماعية. في غزة. اتخذ حزب الله، المقاومة الإسلامية في لبنان، قراراً بفتح جبهة دعم في جنوب لبنان على الحدود الشمالية للعدو الإسرائيلي.
واستناداً إلى ذلك، بدأ العدو الإسرائيلي، في 8 تشرين الأول/أكتوبر، بشن هجمات على طول الحدود مع لبنان البالغ طولها 120 كيلومتراً (75 ميلاً)، وحزب الله، تعبيراً عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني. ومنذ ذلك الحين، استهدف العدو الإسرائيلي لبنان ما يقرب من 4000 مرة حتى 26 مارس 2024. ويعلن حزب الله أنه سيواصل عملياته العسكرية ضد إسرائيل حتى توقف هجوم العدو الإسرائيلي على غزة. ورد المسؤولون الإسرائيليون بالتعهد بطرد حزب الله من المنطقة الجنوبية بلبنان، ولو بالقوة إذا لزم الأمر. وأدت هذه الحرب في جنوب لبنان إلى نزوح أكثر من 90 ألف شخص، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. هؤلاء الأفراد البالغ عددهم 90,000 هم من القرى الموجودة على الشريط الحدودي الذي احتله الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي (الميليشيا اللبنانية العميلة) في عام 1978 حتى تم تحريره عام 2000.
في ظل ما تعيشه هذه المنطقة مجددا عام 2023-2024 وذلك لحفظ إنتماء الجيل الجديد. يتم توثيق وأرشفة تاريخ الشريط الحدودي الجنوبي المحتل. فكما يروي الدكتور علي كريم المحاضر والباحث في علم الاجتماع أن “عدواً قد غزا أرضاً مجاورة جغرافياً لبلدنا، وهذا الاحتلال منذ اليوم الأول يقوم بشن هجمات على الشعب المسالم والمسالم”. جزء من مشروعها التوسعي هو السيطرة على بلادنا. فالمسألة لا تعتمد فقط على فلسطين المحتلة. بل هو مشروع توسع جغرافي، وأهداف العدو الاستعمارية والتوسعية حاضرة في أصل وجوده”.
وبناء على كل ذلك وتاريخ هذا الاحتلال العدو للشريط الحدودي الجنوبي المحتل ومساعيه الرصينة دائما، يؤيد الدكتور علي كريم فكرة الأرشفة لتوثيق هذا التاريخ “هنا تأتي مسألة الأرشيف التي يجب إعادة سردها عن تاريخ هذا العدو الصهيوني وجرائمه بحق مجتمعاتنا وكيف خدمت مشروعه التوسعي، ليكرس للأجيال الشابة حقيقة المحتل واحتلاله لأرضنا في جنوب لبنان، وإرتكابه المجازر وتهجير الأهالي من منازلهم. وأرشفة هذا التاريخ مطلوبة في معركة الوعي والذاكرة للحفاظ على المثابرة".
مضيفاً أن هذه الأرشفة تعزز الشعور بالانتماء، وهذا الشعور بالانتماء يعني بمعناه الاجتماعي، الارتباط بالأصول والجذور، واستعداد الإنسان للدفاع عنها والتمسك بها في مختلف الظروف وفي مواجهة مختلف التحديات التي تمر بها.
بالإضافة إلى أن الأستاذة أماني رمال، التي تعمل في الأرشفة الشفوية، وهي صاحبة مشروع “وثاقية” الذي يهدف إلى تثبيت ذاكرة المقاومة في الأرشيف الوطني، تشير إلى أن “البيوت اللبنانية تحتوي في مكتباتها وأرشيفها على آلاف من مواد موثقة قد لا يلتفت إليها أحد، لكنها في الواقع تصور الملامح السياسية والثقافية والإعلامية والإعلانية للمقاومة في لبنان، وتفاعل الناس مع الأحداث المحورية في تاريخ الحرب مع العدو الإسرائيلي”.
لذا فإن بناء أرشيف المجتمع المقاوم من خلال جمع وحفظ وثائقه التي تعبر عن طبيعة الحركة المجتمعية التي أسست فعل المقاومة في جنوب لبنان ورافقته ودعمته منذ عام 1948، يؤدي إلى تعريف الجيل الشاب بذاكرته الوطنية وذاكرته الوطنية. وتحفيزه على المشاركة في بنائه.
وبالاعتماد على كل ذلك يمكن أن نستنتج أن الأرشفة والتوثيق هما محور اهتمام الجيل الجديد خاصة عندما يتم تقديمهما لهم في القالب الإعلامي الذي يفضلونه.